يواجه قطاع النحالة في العالم العربي صعوبات ومعوقات كثيرة من شأنها تدهور هذا القطاع الحيوي الذي يعد من أهم الأنشطة الزراعية في الوطن العربي ويقدر حجم استثماراته بالمليارات ويعمل به عشرات الملايين من أبنائه, والذي كان- وإلي وقت قريب- الحل الأمثل والأسهل لمشكلة البطالة, فالمنحل المنزلي كان المشروع المثالي الذي يمكن لأي شاب في الوطن العربي أن يبدأ به حياته العملية, أو حتي بجوار عمله الأساسي, حيث لا يتطلب الإشراف علي المنحل تفرغا كاملا, بل يكفي يوم عمل واحد أو اثنان علي أقصي تقدير في الأسبوع..تحقيق- هالة عيدكما أن ملاءمة الظروف الجوية في أغلب البلدان العربية كمصر وسوريا ولبنان وفلسطين وبلاد المغرب العربي لتربية النحل توفر النباتات المزهرة طوال العام, ومن ثم فلا حاجة للتغذية الصناعية.. فالمشروع رأسماله محدود كما أن أرباحه هي الأعلي مقارنة بأي نشاط زراعي آخر, حيث قدرها خبراء الاقتصاد بنسبة200%, كذلك تسويق المنتج ليس معقدا, فالطلب علي العسل الطبيعي متزايد ودائم نظرا لأهميته الشديدة واستعمالاته المتعددة سواء في التغذية المباشرة أم دخوله في بعض المستحضرات الدوائية, علاوة علي أنه يحفظ لفترات طويلة دون تلف فلا يضطر المنتجون للتخلص منه بسعر منخفض, بالإضافة إلي أن مشروع المنحل يتميز بسرعة دورة رأس المال.. وعلي المستوي العام فإن لتربية النحل فوائدها الجمة في تلقيح المزروعات وزيادة إنتاجيتها.ومحاولة منا للوقوف علي أبعاد هذه المشكلات التي أوشكت أن تعصف بمقدرات واستقرار شريحة كبيرة جدا من أبناء الوطن الكبير حملنا تساؤلاتنا وجبنا بها واقعنا العربي عبر شبكة الاتصالات الدولية فكان التحقيق التالي:قلة الوعيكانت البداية مع النحال الفلسطيني الشاب محمد صابر والذي قال: عندما فكرت في هذا المشروع كانت المشكلة الكبري هي عدم توافر مصادر رسمية ممكن اللجوء إليها لأخد النصائح والمشورة, وبالرغم من أنني كنت متحمسا للفكرة فإن العائلة الموجودة في الضفة كانت عندهم رهبة من الإقدام علي هذا الموضوع بسبب التجارب الفاشلة التي كانوا يسمعون عنها, في البداية واجهتنا بعض العقبات لكنني كنت علي اتصال دائم بخبير في تربية النحل بقطاع غزة متطوع بتقديم الخدمات والنصائح المخلصة والإجابة عن كل التساؤلات.ويؤكد الرأي السابق منتصر الحسناوي رئيس جمعية نحالي النجف الأشرف وأحد المتخصصين في تربية النحل بالعراق مضيفا: فمن أهم هذه المشاكل بالفعل هو غياب الدور الإرشادي الزراعي والإعلام الزراعي في هذا المجال وعدم الاهتمام به, وهذه الجهات هي القادرة علي نشر هذه الثقافة من خلال الندوات والإعلانات في الشعب الزراعية وتوجيه المزارع لأهمية النحل في تلقيح المزروعات وزيادة نسبة الإنتاجية كما ونوعا, بالإضافة إلي عدم استخدام الطرق الحديثة في تربية الملكات واعتماد الطرق التقليدية القديمة وعدم الاطلاع علي التطورات في تربية النحل الحديثة والاعتماد علي إنتاج العسل فقط وإهمال غيره من المنتجات الأخري, وعدم توفيرالبدائل الغذائية, واستخدام المبيدات الزراعية ذات التأثير السام علي النحل سواء علي مستوي المزارعين أم الرش الجوي الذي يفتك بالمئات من الخلايا سنويا, أيضا إغراق السوق بالأعسال المستوردة التي لا تخضع للضريبة أو الرقابة وبثمن بخس, حيث إن العراق لا يمتلك أي مختبر لمعرفة جودة العسل, كذلك قلة وعي المزارعين العراقيين بأهمية الثروة النحلية, ففي الوقت الذي نجد فيه المزارع الأوروبي والأمريكي يؤجر خلايا النحل لغرض تلقيح المحاصيل في مزارع بلادهم نجد المزارع العراقي يأخذ أجرة ونسبة من المناحل التي تنتقل إليه, لذلك فالجمعيات المتخصصة بتربية وتطوير النحل هناك يكون أغلب مواردها من إيجار المناحل للمزارعين, هذا بالإضافة لمشاكل التلوث التي أصابت العراق جراء الحروب وقطع الأشجار واتخاذها كوقود بديل إبان الحرب خصوصا بعد2003 م.. ويضيف الحسناوي قائلا: جاءت فكرة جمعية نحالي النجف الأشرف والتي تأسست عام2006 م من أجل معالجة الكثير من مشكلات ومعوقات التربية والإنتاج والتسويق, خصوصا في ظل المنافسة الشرسة من الأعسال المستوردة والمغشوشة.صانع الشفاءومن زاوية مهمة تحدثنا الباحثة د. سوسن المهندس بقسم بحوث النحل بمعهد وقاية النباتات بالقاهرة قائلة: من الأخطاء الشائعة أن فائدة النحل تكمن في إفراز العسل فقط, وهو ما ليس صحيحا فمنتجات النحل عديدة وغاية في الأهمية, فإلي جانب العسل ينتج النحل الغذاء الملكي وحبوب اللقاح والشمع والبروبوليس وسم النحل, ولكل منها لونه وخصائصه وشأنه في الشفاء من الأمراض.أثبت العلم الحديث فاعلية هذه المنتجات في علاج الأمراض, ومنها الخطيرة والمزمنة والمستعصية التي وقف الطب التقليدي أمامها عاجزا كالسرطان والصدفية وفيروس سي وغيرها الكثير, وتؤكد: وقد أصبح العلاج بمنتجات النحل والمعروف علميا باسمApitherapy, فرعا مستقلا بذاته شأنه شأن العلاج بالأعشاب والريفلكسولوجي والإبر الصينية واحتل مساحة كبيرة في الدراسات وبحوث العلماء في شتي أنحاء العالم, والمستقبل يحمل الكثير في هذا المجال, ومن ثم يجب الاهتمام بقطاع النحالة كثروة قومية وكنز يجب أن نعرف قيمته جيدا.مشاكل عديدةويقول مهندس زراعي محمد علي الشهري أحد مربي النحل بالمملكة العربية السعودية: من المعروف أن طبيعة المملكة صحراوية عدا سلسلة جبال السروات في الجنوب وكمية نزول الأمطار السنوية تعتبر قليلة إلي حد ما, ونتيجة لعدم توافر المزارع المروية بشكل كاف يعتمد العديد من مربي النحل في السعودية علي نقل النحل من منطقة إلي أخري حسب توافر المطر ووجود النباتات في هذة المناطق ولذا فمعاناة النحالين كبيرة ومهنة النحالة في السعودية مهنة شاقة ومكلفة, هذا إلي جانب مشاكل أخري عديدة, أهمها عدم وجود شركات أوجمعيات تعاونية تعمل علي تسويق منتجاتها في الأسواق المحلية وغيرها, رغم أن منتجات العسل في السعودية تتميز بجودتها العالية والنوعيات الفريدة مثل عسل السدر المشهور والثمين جدا, ولقد أضيرت معظم المناطق خصوصا الجنوبية الغربية من المملكة من الجفاف الشديد العام الماضي, حيث وصل الفاقد عند بعض النحالين إلي80% من النحل فمن كان يمتلك100 خلية فقد حوالي الثلثين منها وتكبد مربو النحل خسائر فادحة, مما ترك بالغ الأثر علي قطاع النحل في المملكة.غش تجاريومن منطلق خبرته الطويلة في تربية النحل يقول الخبير المصري رجب الأسيوطي وهو من كبار المتخصصين في هذا المجال في الوطن العربي والملقب بعاشق النحل: إن مشكلة النحالين في مصر متعددة الجوانب, ويعد توقف الدورة الزراعية في مصر من المشاكل الأساسية لمربيي النحل لأن أيام الدورة الزراعية تكون هذه المنطقة مثلا مزروعة بالقطن والأخري مزروعة عباد أوسمسم أو برسيم وتكون أحواضا أو مساحات شاسعة من محصول واحد يمكن القول فيه بأن هذا العسل هو عسل قطن أو عباد أو سمسم أو نوارة البرسيم وخلافه, الوضع الآن اختلف كثيرا.. ويعقب الأسيوطي: كل هذا إلي جانب احتكار بعض الشركات لبعض منتجاتها من مستلزمات تربية النحل, وهناك مشكلة كبري أيضا هي التضليل والغش التجاري خصوصا أن بعض الفضائيات تعلن عن أصناف من العسل ليس لها أساس من الصحة, كما أن هناك بعض المواقع علي شبكة الإنترنت تروج لكثير من أنواع العسل التي لا وجود لها, مثل عسل الخس أو الخيار أو البطاطس.ويري الخبير السوري بتربية النحل محمد بسام الحافظ وشهرته' أبو فراس الحافظ' أن جانبا كبيرا من المشكلة يكمن في المربي نفسه فيقول: هذا الكائن الحي الذي يتعرض للمشاق في مرعاه للحصول علي الرحيق ومسافات يقطعها, كل ذلك يتعلق بنوع المرعي الرحيقي رئيسي أو ثانوي, فالمرعي الرحيقي يتسارع عليه جميع النحالين دون النظر إلي قوة المرعي, فلا يجب أن يزيد عدد الخلايا القوية في مرعي اليانسون مثلا علي20 خلية, فكيف إذا تجاوز الـ100 خلية؟ هذا يدل علي أن الرحيق سوف يقل في الخلية وبالتالي النحلة سوف تقطع مسافات هائلة تتجاوز ثلاثين كيلومترا مما يؤدي إلي تقصير عمرها إذا لم تكن نهايتها بالفعل, إضافة إلي سهولة الإصابة بالأمراض, وبالتالي تراجع النحل إلي الوراء, ويؤكد أن جهل النحال وسوء إدارته أخطرعلي المنحل والنحل من الأمراض وأعدائه الخارجية في الوقت ذاته يؤكد عن خبرة ودراية أن معظم ممتهني النحالة هم من خريجي كليات الهندسة الزراعية ولديهم الفكرة المعقولة عن تربية النحل, ولكنه يري أيضا أن هذا لا يكفي لعمل مشروع ناجح بالطبع..موقف حرجاختلفت الأماكن وتعددت أسماء المدائن وتباينت اللهجات, أما اللغة فواحدة والمشاكل نفس المشاكل علي امتداد الوطن الكبير من المحيط إلي الخليج, الأمر الذي يضع اتحاد النحالين العرب في موقف حرج ويفرز بدوره عدة أسئلة غاية في الأهمية: أين اتحاد النحالين العرب؟ وما الدور الذي يلعبه إزاء هذه المشكلات التي تعوق الاستثمار في مجال تربية النحل؟ ولماذا لا توجد حلقات اتصال وتعاون بين الاتحاد ووزارات الزراعة العربية فيما يخدم هذا المجال؟ وما إنجازاته منذ أنشيء؟ وما الهدف من تأسيسه أصلا إن لم يكن العمل علي النهوض بالمجال؟ الشيء الذي حرصنا علي رصده بدقة ونقله بأمانة إلي الدكتور محمود مزيد رئيس اتحاد النحالين العرب والذي جاءت إجابته: بداية اتحاد النحالين العرب أسس سنة1994 م تحت إشراف المنظمة العربية للتنمية الزراعية وبوجود وزراء الزراعة العرب, ويوجد ممثل(أمين عام مساعد الاتحاد) في كل دولة ومئات الأعضاء من المهتمين, وأهم أهدافه العمل علي رقي صناعة النحل في العالم العربي وتعزيز قنوات اتصال بين الدول الأعضاء وله أنشطة منها عقد مؤتمر دولي كل عامين في إحدي الدول الأعضاء وإصدار مجلة علمية وإصدار نشرات متخصصة وتقديم استشارات وتنفيذ دراسات وبحوث مقدمة من الدول الأعضاء.. وعن تطبيق هذه الأبحات عمليا يؤكد د. مزيد أن الاتحاد يبذل قصاري جهده في هذا لكنه من الصعوبة بمكان حيث إنهم يحولون الأبحاث المقدمة خلال المؤتمر للجهة المنوطة بها, وذلك للاستفادة منها وتطبيقها علي نطاق الدول الأعضاء لكن المشكلة أن المنظمة العربية ليس لديها أموال تنفقها علي هذه الأبحاث, أما عن وجود تعاون بين الاتحاد ووزارات الزراعة في الدول العربية فقد أكد د. مزيد أنه حتمي لكن في الواقع لا توجد أية جهة تقدم خدمات أو مساعدات حقيقية وكل ما يمكن فعله هو مجرد تبادل أوراق رسمية روتينية ليس إلا.. وعن مصادر تمويل الاتحاد يقول د. مزيد: لا توجد أية مصادر للتمويل سوي تبرعات الأعضاء وهي عبارة عن عشرة دولارات سنويا هي رسم العضوية والكارنيه للأفراد, أما الحكومات فتسهم' بمبلغ250 دولارا سنويا'- ولا تعليق- ثم يوضح د. مزيد أنه ليس تبرعا وإنما هو رسم عضوية أمين عام الاتحاد المساعد في دولته.في النهاية نضع هذا الملف الشائك علي مكتب كل رئيس حكومة عربية ووزير زراعته آملين في وقفة جادة وسريعة لإنقاذ هذه الشريحة العريضة, وبخاصة الشباب من أصحاب المشروعات الصغيرة في مجال تربية النحل في مجتمعاتهم مما لا تحمد عقباه علي جميع المستويات.*
السبت، 17 يناير 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق